سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قلت: {الحق}: خبر كان.
يقول الحق جل جلاله: {و} اذكر {إذ قالوا اللهم إن كان هذا} الذي أتى به محمد {هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماءِ}؛ كأصحاب لوط، {أو ائتنا بعذاب أليم}، قيل: القائل هذا هو النَّضْر بن الحارث، وهو أبلغ في الجحود. رُوي أنه لما قال: {إن هذا أساطير الأولين}، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك إنه كلام الله» فقال هذه المقالة. والذي في صحيحي البخاري ومسلم: أن القائل هو أبو جهل، وقيل: سائر قريش لمّا كذبوا الني صلى الله عليه وسلم دعوا على أنفسهم، زيادة في تكذيبهم وعتوهم. وقال الزمخشري: ليس بدعاء، وإنما هو جحود، أي: إن كان هو الحق فأمطر علينا، لكنه ليس بحق فلا تستوجب عقاباً. بالمعنى.
الإشارة: قد وقعت هذه المقالة لبعض المنكرين على الأولياء، فعجلت عقوبته، ولعل ذلك الولي لم تتسع دائرة حلمه ومعرفته، وإلا لكان على قدم نبيه صلى الله عليه وسلم.


يقول الحق جل جلاله: {وما كان الله ليُعذبهم وأنت} موجود {فيهم}، ونازل بين أظهرهم، وقد جعلتلك رحمة للعالمين، خصوصاً عشيرتك الأقربين، {وما كان الله مُعَذِّبَهُم وهم يستغفرون} قيل: كانوا يقولون: غفرانك اللهم، فلما تركوه عُذبوا يوم بدر، وقيل: وفيهم من يستغفر، وهو من بقي فيهم من المؤمنين، فلما هاجروا كلهم عُذبوا، وقيل: على الفرض والتقدير، أي: ما كان الله ليعذبهم لو آمنوا واستغفروا.
قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ذهب الأمان الواحد وبقي الآخر، والمقصود من الآية: بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده صلى الله عليه وسلم أو من يستغفر فيهم.
ثم قال تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله} أي: وأيُّ شيء يمنع من عذابهم؟ وكيف لا يعذبون {وهم يصُدُّون} الناس {عن المسجد الحرام}؟ أي: يمنعُون المتقين من المسجد الحرام، ويصدون رسوله عن الوصول إليه. {وما كانوا أولياءَهُ} المستحقين لولايته مع شركهم وكفرهم، وهو ردٌّ لما كانوا يقولون: نحن ولاة البيت الحرام؛ فنصد من نشاء ونُدخل من نشاء. قال تعالى: {إنْ أولياؤُه إلا المتقون} أي: ما المستحقون لولايته إلا المتقون، الذين يتقون الشرك والمعاصي ولا يعبدون فيه إلا الله، ويعظمونه، حق تعظيمه. {ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون} أن لا ولاية لهم عليه، وإنما الولاية لأهل الإيمان، وكأنه نبه بالأكثر على أن منهم من يعلم ذلك ويعاند أو أراد به الكل، كما يراد بالقلة العدم. قاله البيضاوي.
الإشارة: قد جعل الله رسوله صلى الله عليه وسلم أماناً لأمته ما دام حياً، فلما مات صلى الله عليه وسلم بقيت سنته أماناً لأمته، فإذا أُميتت سنته أتاهم ما يوعدون من البلاء والفتن، وكذلك خواص خلفائه، وهم العارفون الكبار، فوجودهم أمان للناس. فقد قالوا: إن الإقليم الذي يكون فيه القطب لا يصيبه قحط ولا بلاء، ولا هرج ولا فتن؛ لأنه أمان لذلك الإقليم، خلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.


يقول الحق جل جلاله: {وما كان صلاتهم} التي يصلونها في بيت الله الحرام، ويسمونها صلاة، أو ما يضعون موضعها، {إلا مكاءً} أي: تصفيراً بالفم، كما يفعله الرعاة، {وتصديةً} أي: تصفيقاً باليد، الذي هو من شأن النساء، مأخوذ من الصدى، وهو صوت الجبال والجدران. قال ابن جزي: كانوا يفعلون ذلك إذا صلى المسلمون، ليخلطوا عليهم صلاتهم.
وقال البيضاوي: رُوي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال والنساء، مشبكين بين أصابعهم، يصفرون فيها ويصفقون، وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصلي، يخلطون عليه، ويرون أنهم يصلون أيضاً، ومساق الآية: تقرير استحقاقهم العذاب المتقدم في قوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله}، أو عدم ولايتهم للمسجد، فإنها لا تليق بمن هذه صلاته. اهـ.
قال تعالى: {فذوقوا العذاب} الذي طلبتم، وهو القتل والأسر يوم بدر، فاللام للعهد، والمعهود: (أو ائتنا بعذاب أليم)، أو عذاب الآخرة، {بما كنتم تكفرون} أي: بسبب كفركم اعتقاداً وعملاً.
الإشارة: وما كان صلاة أهل الغفلة عند بيت قلوبهم إلا ملعبة للخواطر والهواجس، وتصفيقاً للوسواس والشيطان، وذلك لخراب بواطنهم من النور، حتى سكنتها الشياطين واستحوذت عليها، والعياذ بالله، فيقال لهم: ذوقوا عذاب الحجاب والقطيعة، بما كنتم تكفرون بطريق الخصوص وتبعدون عنهم. والله تعالى أعلم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10